بقلم أميــــرة موســــي

دور الحوالة الناقصة في تنفيذ الالتزامات

رفوف مكتبة مليئة بكتب مختلفة الألوان
Pixabay-Recht

1 - الحوالة نظام قانوني تقليدي في نظرية الالتزام تمتد جذورها إلى القانون الروماني حيث كانت تُعتمد أساسا للوفاء بأكثر من التزام في نفس الوقت. ولم تكن الحوالة ترتب انتقالا مباشرا للالتزام حيث لم يكن الانتقال مقبولا آنذاك. وفي إطار القوانين القديمة لم تشهد مؤسسة الحوالة أي تطور يذكر إذ تم تكريس ما كان سائدا في القانون الروماني. أما في الفقه الإسلامي فإن الحوالة عرفت بكونها نقلا للالتزام من ذمة إلى أخرى تبرأ به الأولى (أحمد بن طالب، لمحة عن التأمينات في الفقه الإسلامي، مقال منشور في كتاب " دراسات في قانون التأمينات "، عمل جماعي بإشراف الأستاذ بشير المنوبي الفرشيشي، المطبعة العصرية، الطبعة الثانية، تونس 2003، ص 237 وما بعدها).

 

2 – والحوالة عرّفها الفصل 229 م.ا.ع. بكونها "عبارة عن نقل ما للدائن من الحقوق على مدينه لشخص آخر وفاء بما عليه لذلك الشخص وتنعقد الحوالة أيضا إذا كلّف أحد غيره بأداء دينه ولو لم يكن للمكلف دين في ذمة ذلك الغير". ويعرّفها رجال القانون بأنها العملية القانونية التي يطلب بمقتضاها شخص يسمّى المحيل من شخص آخر يدعى المحال عليه الالتزام بأداء ما أو القيام به لحساب شخص ثالث هو المحال له (حاتم الرواتبي، الحماية القانونية للدائن العادي، أطروحة دكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسة بتونس، 2004، فقرة 367، ص 392). وهم يميّزون بين الحوالة الكاملة والحوالة الناقصة (السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، ج 3، الأوصاف - الحوالة - الانقضاء، دار النهضة العربية، القاهرة، 1958، فقرة 514، ص 859.) حيث تكون الحوالة كاملة عندما تؤدي إلى براءة ذمة المدين الأصلي فتكون سبيلا لتجديد الالتزام بتغيير المدين (الفصل 363 م.ا.ع.). أما الحوالة الناقصة فهي تؤدي إلى الإبقاء على المدين الأصلي ملزما بالدين هو والمدين الجديد تجاه الدائن.

3 - ولا بد من تمييز الحوالة الناقصة عن بعض المؤسسات القانونية القريبة منها. فالحوالة الناقصة ليست إحالة دين لأن المدين الأصلي يبقى ملتزما بالدين إلى جانب المدين الجديد وذلك على العكس من إحالة الدين حيث ينتقل الالتزام من المدين القديم إلى المدين الجديد وتبرأ ذمة الأول تجاه الدائن (السنهوري، الوسيط، ج 3، فقرة 328 وما بعدها، ص 584 وما بعدها). كما أنها ليست إحالة حق باعتبارها تستوجب رضاء جميع أطرافها ولا يشترط لقبولها شكلا خاصا أو وقتا معينا على خلاف إحالة الحق التي لا يشترط في انعقادها رضاء المدين الأصلي وتستوجب لنفاذها الإعلام بانتقال الدين أو القبول للانتقال بكتب ثابت التاريخ وذلك عملا بأحكام الفصل 205 م.ا.ع.

4 - إن النظر الفاحص في مختلف النصوص القانونية المنظمة للحوالة يقود إلى القول بأن الحوالة الناقصة تضطلع بدور الضمان الشخصي مما يبعث على التساؤل عن مدى إمكانية اعتبار الحوالة الناقصة ضمانا فعالا قادرا على حماية الدائن ضد إعسار مدينه؟

5 - إن التعمق في التحليل يبرز بصفة جلية وواضحة الجدوى المحققة للحوالة الناقصة بالنسبة للدائن انطلاقا من الآثار القانونية المترتبة عنها التي لا شك في نجاعتها باعتبار ما تمنحه للدائن من صلاحيات تذكّر بصلاحيات الدائن صاحب الضمان الشخصي إذ تخول له حق الرجوع على مدينين اثنين (I) مع تطبيق مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع الذي يهيمن على أحكامها (II).

I – حق الدائن في الرجوع على مدينين اثنين

6 – يبرز دور الحوالة كأداة ضمان ناجعة قادرة على توفير حماية فعالة للدائن من خلال ما تخوله له من حق الرجوع على مدينين اثنين باعتبارها تؤدي إلى الإبقاء على الالتزام الأصلي مدعوما بالتزام جديد (أ) مع استقلالية الالتزام الثاني عن الالتزام الأول (ب).

أ - الإبقاء على الالتزام الأصلي مدعوما بالتزام جديد

7 - ينص الفصل 235 م.ا.ع. على أنّه "إذا صحت الحوالة برئت ذمة المحيل إلا إذا اشترط بالعقد ما يخالف ذلك ...". ويفهم من هذا النص أنّ الأصل في الحوالة أنها تبرئ ذمة المحيل بمجرد انعقادها فيترتب عن ذلك تغيير المدين تغييرا كليا وتعويضه بمدين جديد يحل محل المدين الأصلي بصفة مطلقة في الوفاء بالالتزام وهي صورة الحوالة الكاملة. إلا أنه بإمكان الأطراف اشتراط ما يخالف ذلك أي اشتراط عدم براءة المحيل واستبقاء حق المحال له في الرجوع إليه وهي صورة الحوالة الناقصة التي تعطي للدائن ضمانا قويا من شأنه أن يعزز حظوظه في استخلاص دينه حيث يصبح للدائن الحق في مطالبة المدين الجديد بالوفاء بالالتزام مع بقاء حقه أيضا في مطالبة المدين الأصلي لأنّه بموجب الحوالة الناقصة يصبح للدائن مدينان بدلا من مدين واحد لضمان خلاص دينه (MAZEAUD (Henri, Léon et Jean) et CHABAS (François), T 2, 1er volume, Obligations, 9ème éd, Paris, n° 1250, p. 1266.). فالوظيفة الأساسية للحوالة الناقصة تتمثل في توفير ضمان قوي وناجع لفائدة الدائن يكون قادرا على حمايته حماية فعالة من خطر إعسار مدينه. لكن ليس للدائن المحال له أن يتقاضى الدينين فالوفاء من أحدهما مبرئ للآخر (خليل جريج، النظرية العامة للموجبات، الجزء الرابع، في آثار الموجبات وانتقالها وسقوطها، دار المنشورات الحقوقية، مطبع صادر، 1988، ص 284). إلا أنه يحق للدائن مطالبة أي منهما على حد سواء لاستيفاء دينه دون أن يتقيّد بترتيب معيّن كما هو الحال في الكفالة (سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات، ج 6، أحكام الالتزام، الطبعة الثانية، دار شتات، مصر،دار صادر، بيروت، 1992، فقرة 390 مكرر 2، ص 795).

8 - وتجدر الملاحظة أنه لا تبرأ ذمة المدين الأصلي إلا إذا وفى المدين الجديد الالتزام الجديد الذي في ذمته للدائن المحال له أو إذا وفى المدين الأصلي نفسه للدائن الدين الأصلي الذي في ذمته. وبمجرد أن يقوم أحدهما المحيل أو المحال عليه بالوفاء للمحال له تبرأ ذمة الآخر. وللمحال له أن يرجع على المحيل بالدين الأصلي بما يكفله من تأمينات قبل أن يرجع على المحال عليه كما يمكنه الرجوع على المحال عليه بالالتزام الجديد قبل أن يرجع على المحيل فلا يلتزم في الرجوع على أيهما بترتيب معين (السنهوري، الوسيط، ج 3، الأوصاف - الحوالة - الانقضاء، المرجع السابق، فقرة 522، ص 868). ويتأكد الدور الفعال للحوالة الناقصة كأداة ضمان من خلال استقلالية التزام المدين الجديد عن التزام المدين الأصلي.

ب - استقلالية الالتزام الجديد عن الالتزام الأصلي

9 - إن موطن القوة في الحوالة الناقصة يكمن في أن الالتزام الجديد للمحال عليه هو التزام مستقل عن الالتزام الأصلي للمحيل حيث يلتزم المحيل والمحال عليه بالتزامين مستقلين عن بعضهما البعض. فإذا كان للدائن المحال له مدينان فإن كل مدين منهما يكون مصدر دينه مستقل عن مصدر دين الآخر. فمصدر دين المحيل هو مصدر الالتزام الأصلي بينما مصدر دين المحال عليه هو عقد الحوالة. مما يعني أن الحوالة الناقصة تمثّل إحدى تطبيقات الالتزام التضاممي (Obligation in solidum) لتوفر عناصره المتمثلة في وحدة المحل وتعدد الروابط واختلاف المصدر. فالحوالة الناقصة لا تعني تضامن المدينين في أداء الالتزام (خليل جريج، النظرية العامة للموجبات، الجزء الرابع، في آثار الموجبات وانتقالها وسقوطها، ص 284) ذلك أنّ التضامن لا يُفترض وإنما يكون بناء على اتفاق أو نص من القانون أو بكونه من ضروريات القضية عملا بأحكام الفصل 174 م.ا.ع.

10 - كما تجدر الإشارة إلى أن أن المحال عليه ليس كفيلا للمحيل باعتبار أن التزام الكفيل التزام تابع للالتزام المكفول فلا يكون صحيحا إلا إذا كان هذا الالتزام صحيحا بينما التزام المحال عليه هو التزام مستقل عن التزام المحيل (MAZEAUD (Henri, Léon et Jean) et CHABAS (François), Obligations, op. cit. n° 1248, p. 1265.). والدين الذي أنشأته الحوالة في ذمة المحال عليه للمحال له هو دين مجرد لا يتأثر بالدين الذي يكون في ذمة المحال عليه للمحيل (السنهوري، الوسيط، ج 3، الأوصاف - الحوالة - الانقضاء، المرجع السابق، فقرة 524، ص 870 وما بعدها). كما أنه لا يحق للمحال عليه الدفع بالتجريد الذي ينتفع به الكفيل (يحي عبد الودود، حوالة الدين، دراسة مقارنة في الشريعة الإسلامية والقانونين الألماني والمصري، الطبعة الثانية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1992، ص 71) فهو ملزم بالدين تجاه الدائن بصفة أصلية وهنا تبرز الفائدة القانونية التي تحققها الحوالة الناقصة كأداة ضمان مرن وأكثر فاعلية من الكفالة. وهو ما يجعل من الحوالة الناقصة ضمانا ناجعا يقترب كثيرا من الضمان المستقل.

11 – ولا بد من الإشارة أيضا إلى أحكام الفصل 366 م.ا.ع. الذي ينص على أن "الامتيازات والرهون المجعولة للدين الأول لا تنتقل للدين الذي أقيم عوضا عنه إلا إذا اشترط ذلك صاحب الدين صراحة في العقد ". وهو ما يستنتج معه أنّ الالتزام الجديد للمحال عليه هو التزام مستقل عن الالتزام الأصلي الذي يحتفظ بصفاته وضماناته (خليل جريج، النظرية العامة للموجبات، الجزء الرابع، في آثار الموجبات وانتقالها وسقوطها، ص 285). إلا أنّه يمكن للأطراف الاتفاق على نقل التأمينات المتعلقة بالدين الأول إلى الدين الثاني فتنتقل التأمينات التي كانت لدين المحيل إلى ذمة المحال عليه فيستفيد بها المحال له عند رجوعه على المحال عليه إذا كانت هذه هي نية أصحاب الشأن (السنهوري، الوسيط، ج 3، الأوصاف - الحوالة - الانقضاء، فقرة 524، هامش 3، ص 870). وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 237 م.ا.ع. يلاحظ أنّه يتضمن إحالة صريحة إلى عدة نصوص في الإحالة كالفصل 212 م.ا.ع. الذي يفضي تطبيقه على الحوالة إلى أنّ الحق موضوع الحوالة ينتقل إلى المحال له بتحملاته والتزاماته ما لم ينص العقد على خلاف ذلك. فالأصل في عملية الحوالة الناقصة أنّ التزام المحال عليه هو التزام مستقل عن الالتزام الأصلي حيث يلتزم المحيل والمحال عليه بالتزامين مستقلين عن بعضهما البعض. وفي ذلك خروج واضح عن مبدأ التبعية يتولد عنه مبدأ هام وهو مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع الذي يمثل المظهر الثاني للدور الذي تضطلع به الحوالة الناقصة في تنفيذ الالتزامات.

II - تطبيق مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع

12 – يتأكد دور الحوالة كأداة ناجعة لضمان تنفيذ الالتزامات من خلال تطبيق مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع وهو ما يستدعي تحديد محتوى هذا المبدأ (أ) قبل النظر في حدوده (ب).

أ - محتوى المبدأ

13 – بالإضافة إلى صورة اتفاق الأطراف في عقد الحوالة على عدم إبراء ذمة المحيل فإنّ الفصل 235 م.ا.ع. يشير إلى صور أخرى للحوالة الناقصة التي لا تبرأ فيها ذمة المحيل فهو ينص "إذا صحت الحوالة برئت ذمة المحيل إلا ... فيما هو مقرر بالفصل الآتي" أي الفصل 236 م.ا.ع. والذي يقتضي في فقرته الثانية أنّ الحوالة لا تبرئ ذمة المحيل في الصور المقررة بالفصلين 365 و366. وبالعودة إلى مقتضيات الفصل 365 م.ا.ع. يتبين أنه ينص على أنّه "إذا قبل المدين الحوالة فلا يسوغ له أن يعارض الدائن الجديد الذي قبل الدين عن حسن نية ويحتج عليه بما كان له أن يحتج به على الدائن الأول وإنما له الرجوع على هذا الدائن فقط لكن له أي المحال عليه أن يعارض الدائن الجديد بما يتعلق بأهلية الشخص إذا كان لتلك المعارضات أصل وقت قبوله الحوالة وأنّه كان يجهل ذلك آنذاك".

14 - والملاحظ من خلال عبارات "الدائن الجديد" و"الدائن الأول" أنّ الفصل 365 م.ا.ع. يتعلق بصورة محددة من صور الحوالة الناقصة وهي التي يكون فيها علاقة مديونية سابقة بين المحيل والمحال عليه. كما يلاحظ أن المشرع يمنع على المحال عليه أن يدفع في مواجهة المحال له بالدفوع الناشئة عن العلاقة بين المحيل والمحال عليه فلا يسوغ لهذا الأخير أن يعارض الدائن المحال له حسن النية ولا يمكنه أن يحتج عليه بما كان له أن يحتج به على المحيل. فمن أهم أسباب القوة في الحوالة الناقصة كأداة ضمان تطبيق مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع الذي يهيمن على أحكامها.

15 - ومقتضى هذا المبدأ أن المحال عليه لا يستطيع أن يتنصل من تنفيذ التزامه نحو المحال له بالاستناد إلى دفع بالبطلان أو الفسخ أو بعدم التنفيذ يكون ناشئا عن علاقته مع المحيل، بل ينبغي عليه أن ينفذ التزامه تجاه المحال له على أن يكون له الرجوع بعد ذلك على المحيل. وهذه القاعدة تكرس حماية ناجعة لصالح الدائن المحال له وتجعل من الحوالة الناقصة تمتاز عن إحالة الحق باعتبار أنّه في إطار هذه العملية القانونية الأخيرة يمكن للمدين الجديد أن يتمسك بالدفوع تجاه المحال له عملا بمقتضيات الفصل 217 م.ا.ع.

16 - ويمكن تفسير هذه الحماية الفعالة المقرّرة للدائن بمقتضى الحوالة الناقصة بأمرين اثنين: يتمثل الأمر الأول في أن التزام المحال عليه تجاه المحال له هو التزام جديد ومستقل تماما عن التزام المحال عليه تجاه المحيل (Marie-Noelle JOBARD-BACHELLIER, Manuella BOURASSIN et Vincent BREMIND, Droit des suretés, Paris, Dalloz, 2007, n° 840, p. 235). أما الأمر الثاني فيتمثل في أن المحال له هو أجنبي عن العلاقة بين المحيل والمحال له وبالتالي يكون عدم الاحتجاج بالدفوع نوعا من الحماية للغير حسن النية (MALAURIE (Philippe) et AYNES (Laurent), Droit civil, Les obligations, 2ème éd, CUJAS, Paris, 1990, n° 1254, p. 715.). فمن ناحية العدالة يكون الدائن المحال له الذي قبل الحوالة عن حسن نية معذورا في جهله للعلاقة القائمة بين المحيل والمحال عليه. وفي هذا السياق ينص الفصل 365 م.ا.ع. على أنّه "إذا قبل المدين الحوالة فلا يسوغ له أن يعارض الدائن الجديد الذي قبل الدين عن حسن نية". إلا أنه يمكن استبعاد تطبيق مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع.

ب - حدود المبدأ

17 - إن مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع لا ينطبق إذا كان المحال عليه سيء النية عالما بالعيوب التي تلحق بسبب التزام المحال عليه في مواجهته وبصفة خاصة عندما يكون هنالك تواطؤ على الغش (MALAURIE (Philippe) et AYNES (Laurent), Droit civil, Les obligations, 2ème éd, op. cit., n° 1254, p. 715. ). كما أن مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع الناشئة عن العلاقة بين المحيل والمحال عليه لا ينطبق فيما يتعلق بأهلية المحيل حيث يجوز للمحال عليه عملا بأحكام الفصل 365 م.ا.ع. أن يعارض المحال له بما يرتبط بأهلية المحيل وذلك عند توفر شرطين اثنين يتعلق أولهما بتاريخ الدفع المراد التمسك به وهو تاريخ قبول المحال عليه للحوالة أما الشرط الثاني فيتصل بعدم علم المحال عليه بذلك الدفع في ذلك الوقت حيث ينص الفصل 365 م.ا.ع. في شطره الثاني على أنه"... لكن له أي المحال عليه أن يعارض الدائن الجديد بما يتعلق بأهلية الشخص إذا كان لتلك المعارضات أصل وقت قبوله الحوالة وأنه كان يجهل ذلك آنذاك".

18 - ويمكن أيضا استبعاد تطبيق مبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع الناشئة عن علاقة المحال عليه بالمحيل باتفاق الطرفين كما هو الحال عندما يلتزم المحال عليه في حدود التزامه في مواجهة المحيل (Gabriel MARTY et Pierre RAYNAUD, Droit civil, T. 2, Vol. 1, Les obligations, Sirey, Paris, 1962, n° 842, p. 847) أو عندما يتعهد بدفع ما هو مستحق عليه للمحيل فهنا يصبح خاضعا للشروط التي هو مدين طبقا لها في مواجهة المحيل (نبيل إبراهيم سعد، التأمينات الشخصية التبعية وغير التبعية، الاسكندرية، 2005، ص 182.). فمبدأ عدم الاحتجاج بالدفوع لا يتعلق بالنظام العام إنما هو مقرر لحماية مصالح المحال عليه الذي يمكن له أن يقبل أن يتنازل عنه فليس هناك ما يمنع من الاتفاق بين المحال عليه والمحال له على أن يكون للمحال عليه التمسك بالدفوع التي كانت له تجاه المحيل.

وهذا ما نصت عليه المادة 361 من القانون المدني المصري حيث جاء فيها "يكون التزام المناب (المحال عليه) قبل المناب لديه (المحال له) صحيحا ولو كان التزامه قبل المنيب (المحيل) باطلا أو كان هذا الالتزام خاضعا لدفع من الدفوع ولا يبقى للمناب إلا حق الرجوع على المنيب كل هذا ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيره" وتأسيسا على ذلك يمكن للمحال عليه أن يشترط في الحوالة جعل التزامه نحو المحيل سببا لالتزامه نحو المحال له وعندئذ يسقط التزامه نحو المحال له إذا تبين أنّ التزامه نحو المحيل كان باطلا أو كان قد انقضى أو كان يمكن دفعه بأي دفع آخر (السنهوري، الوسيط، ج 3، المرجع السابق، فقرة 524، ص 872). وبالرجوع إلى القانون التونسي فإنّه يلاحظ عدم وجود نص مماثل للمادة 361 من القانون المدني المصري يمكّن الأطراف من الاتفاق على عدم تطبيق مبدأ الاحتجاج بالدفوع الناشئة عن علاقة المحال عليه بالمحيل. كما يلاحظ عدم وجود أية إحالة من المشرّع التونسي شأنه في ذلك شأن المشرّع المصري إلى مسألة الاحتجاج فيما يتعلق بالدفوع الناشئة عن العلاقة بين المحيل والمحال له.